الشيخ العلامة محمد بن ناصر العبودي لم يكن كأي مؤرخ
الشيخ العلامة محمد بن ناصر العبودي
لم يكن كأي مؤرخ
محمد عبدالله الحسيني،
عندما أفكر في أن الوالد الشيخ محمد بن ناصر العبودي رحمه الله قضى حياته في العلم والتعليم والرحلة والدعوة والتأريخ أسأل نفسي: أي نوع من الرجال كان هذا الرجل؟! فنحن نعمل ونعود إلى المنزل ونشعر بأن طاقتنا انتهت ونريد أن نأكل وننام قليلاً ثم نقضي الساعات في تصفح المواقع إلى أن نخلد للنوم مرة أخرى، بينما هو زار أكثر من 100 دولة حتى لُقب بـ”عميد الرحالين”، وألف قرابة 200 كتاب في أدب الرحلات، وشغل عدة مناصب منها إدارة المعهد العلمي بمدينة “بريدة”، وأمانة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وأمانة “الدعوة الإسلامية”، ثم ختم هذا المشوار الجميل والطويل بأن صار الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي.
اشتهر رحمه الله بأنه كان مؤرخاً وعالماً بالبلاد وأهلها، لكنه لم يكن كأي مؤرخ، فعلامة الجزيرة الراحل الشيخ حمد الجاسر رحمه الله أشار في كتابه «جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد» إلى أنه استفاد فيه كثيراً من مسودات الشيخ محمد العبودي، وقال الشيخ حمد إنه عول في كتابه على أسانيد وتوثيقات الشيخ العبودي، خاصةً في أصول الأسر وأنسابها.
فقد كان منهج الشيخ العبودي في التأريخ صارماً فهو يذكر كل شاردة وواردة عن الأسر بدءً بالتسمية وسببها وأصلها، ومروراً بتاريخ الأسرة وموقعها الأصلي، وهو لا يترجم للمشاهير فقط، بل يذكر حتى الأسر التي انقرضت أو كادت تنقرض، فيشير إليها أو يوضح انضمامها إلى أسر أخرى، وبهذا يحفظ للتاريخ حقه بعيداً عن المزيدات العصرية القائمة، ثم يزين تراجمه ببعض القصص والحكايات التي يختزنها بذاكرته القوية.
هذا على صعيد التأريخ والترجمة، أما على باقي الأصعدة الأخرى فقد كان الشيخ فيها علماً مشهوراً، فهو لم يسافر إلى البلاد المختلفة للترفيه أو السياحة كما يفعل معظمنا، وإنما زارها بدافع الدعوة إلى الله، والمساهمة في بناء المساجد بالبلاد التي تعاني من قلة المساجد، فضلاً عن المساهمة في إغاثة المحتاجين، وإقامة المشاريع الخيريّة، ثم حول تلك الزيارات إلى أدب يُقرأ حتى اليوم، وإضافة لعشرات الكتب التي ألفها عن البلاد الغربية والعربية، فإنه وضع مؤلفات أخرى في “الأمثال العامية”، و”الأنساب”، واهتم كثيراً بالألفاظ الدارجة، وحاول ربطها باللغة العربية الفصحى، من خلال إعادة تلك الألفاظ إلى أصولها.
كما نقل كل ذلك إلى مستمعي إذاعة القرآن الكريم، عبر برنامجه (المسلمون في العالم مشاهد ورحلات)، بطريقة رائعة في سرد حكايا ومواقف كل بلد زارها.
كان رحمه الله شخصية فريدة ومميزة، وصاحب فكر متوقد، وعبارة جميلة، وترك تراثًا نادرًا لا تستغني عنه أي دولة في العالم زارها، فقد شارك في تسجيل تاريخها الاجتماعي والسياسي والثقافي.
نسأل الله أن يرحمه ويسكنه فسيح جناته، ويلهم اهله و ذويه و احبته الصبر والسلوان ،،
العبودي ويظهر ابن باز والملك فيصل رحمهم الله