صمت البوح
” هناك صمت أنيق لا يسمح لنا بالبوح مهما كان الوجع “
البوح هو إظهار ما في النفس ومكاشفة ؛ بها تجول في سماء الفضفضة وتغوص في أعماق ذاتك ، لترى مالا يرونه وتسمع مالم يسمعوه ..
في لحظةِ إدراكٍ مؤسفة ، ستكتشف أن أغلب لحظات البوح للآخرين ماهي إلا ” تسليم أعناق ” لمن قد لا يكونوا بها رُحماء ، فهما كان واقعك ومهما كُنت تعيش مع أُمناءٍ أوفياء ، لابد أن تأتي لحظة تُكشف الأسرار وتتساقط الأقنعة ويتطاير كل ما كان مُخبأ .. لذلك أوجد لنفسك ومع نفسك مساحاتٍ آمنة ، تأخذ فيها وتُعطي وتتكلم وتُعاتب ، وتصرخ وتبكي ، وتكون أكثر وضوحًا وصدقا ..
يقول الدكتور فواز اللعبون ” أحيانا أخلو بنفسي، وأبوح لها بكل شيء، ثم أشعر براحة وطمأنينة قد يكون في صنيعي جنون، غير أن الجنون المؤكد أن أبوح للآخرين، وأضع أسراري تحت رحمة أمزجتهم ” .
إن من أشد اللحظات قسوة وأكثرها مرارة أن تضع سرّك في جوف من تثق به كثيرًا لتكتشف بعدها أن ذلك السر يتأرجح يمنةً ويسرة ، ويُخفى ساعةً ويُكشفُ أيام
تبعًا لمزاج الرفيق وتقلّبات الصديق و ردّة فعل طبيعية من أخيك جراء صِدامك معه على حدّ قوله ..
قالها المتنبي ، وهو الذي أكثر في أشعاره من الحكمة والفخر بالذات :
وكن على حذرٍ للناس تَستُرُه
ولا يغرك منهم ثغرُ مُبتسمِ
غاض الوفاء فما تلقاه في عدةٍ
وأعوذ الصدق في الأخبار والقسمِ
خُذها مني يا صاح ، مهما كانت علاقاتك مع الناس جيدة ومهما أكثروا من مديحك ومهما مُنِحت درجة الأمان والسلام وشعُرت بالطمأنينة التي تكاد حينها أن تُطلق لسانك في لحظات همّك وغمّك ، لا بد أن تؤمن بأن المستودع الآمن والقلب الحاني واللسان الأبكم على مدار الحياة هو أنت … عِش ملكًا يُحافظ على نفسه ويكتم سره ولا يُظهر للآخرين إلا جانبه المشرق ولحظات فرحه ، البوح مع الذات بهجة وهدوء نفس ..
خُذ قِسطًا من الراحة وتحدّث مع نفسك كثيرًا ، لعلك تجد معها مالم تجدهُ مع غيرها ?