بقلم: سعد التميمي .. شقراء .
مِن المقطوع به أنَّ مثقفي مدينتنا شقراء والمراكز التابعة لها يُدركون ويعون جيداً أنَّ التخطيط المستقبلي والإستراتيجيات البعيدة المدى ركناً ركيناً للإدارة المعاصرة، ودلالةً ظاهرةً على بُعد النظر ورجاحة العقل ووضوح الرؤية، كما أنهم ـ حفظهم الله ـ يؤمنون إيماناً راسخاً أنَّ (دوام الحال من المحال) وأن (لكل زمانٍ دَولة ورِجال) وأن النفس البشرية مهما بلغ حماسها وإخلاصها ومحبتها لأرضها وترابها وتراثها، فإنَّ تقدُّم السن وتبعاته، والملل والفتور، والانسحاب والابتعاد و (الصدَّة المفاجئة) قد تجتاحها دون أدنى مقاومةٍ تُذكر، وليس ذلك بمستغربٍ إطلاقاً، فهي سُنَّة ماضية لا مَحيد عنها ولا مَحيص .. مِن هذه المنطلقات البدهيَّة المُتفق عليها، حُقَّ لرجالات وشمنا الأشم التحدث بشفافيةٍ متناهية عن مستقبل بلداتنا القديمة بعد إتمامهنَّ عِقدين ماضيين زاهرَين، عنوانهما الأبرز عملٌ دؤوب، واحترافية باهرة، وتضحيات مُقدَّرة بالوقت والجهد والمال، كل ذلك في سبيل إحيائها وإبرازها وإعادتها إلى الواجهتين الإقليمية والسعودية مرَّةً أخرى، فحققتْ تلك الكوكبة الموقرة ما صبتْ إليه من آمالٍ وتطلعات جراء جهودهم المتضافرة وتقديمهم الصالح العام لمدينتهم على مصالحهم الذاتية.. فشكراً وافراً لهم جميعاً (كُلاً باسمه) .. واليوم كم نحن في حاجةٍ ماسَّة إلى مُكاشفةٍ ومُصارحة وتساؤل مشروعٍ مفادُه: (البلدة القديمة إلى أين في عِقديها القادمين) ؟؟؟ .. هل بادرتْ الجمعيات واللجان ذات العلاقة إلى عقد لقاءات مفتوحة مُوسَّعة يُدعى إليها السواد الأعظم من المهتمين والعاملين في الشؤون التراثية والسياحية في شقراء وجميع مراكزها ـ بل وغيرهم ـ لتبادل الآراء وتلاقح الأفكار، واستقبال المقترحات وتدارك السلبيات، وتوحيد الرؤى وإصدار التوصيات حيال تهيئة جيلٍ جديد يحمل الراية ويواصل المسيرة ويحرس المُنجَزات ويملأ الفراغات ويمنع الهزَّات؟؟ هل سعتْ تلك الجهات في تحريك المياه الراكدة بشحذ همم شبابنا ـ بارك الله فيهم ـ الذين اكتظتْ بهم (العزب) والاستراحات، وبذلِ ما في الوسع لاستقطابهم واحتوائهم ولو بأعدادٍ محدودة ؟؟ .. ثمَّ ألمْ تُثبِت التجارب حاجَتنا الماسَّة لِقراءةٍ عصريَّةٍ لِمفهوم الآثار والتراث، والانتقال من التقليديَّة السائدة، إلى مرحلةٍ أسْمَى وأجدَى، وأعني بها تفعيل البُعديْن الوطني والتربوي، وذلك بالوقوف على سِيَر أولئك الأعلام من الآباء والأجداد والغَوص في عُمْقِها الزاخِر بالفضائلِ والشمائل وطرحها لجيل السوشيال ميديا المتمركزين حول ذواتهم والهائمين في عوالمهم لاستلهام دروسها وعِبَرها ؟؟ أيُّ فائدةٍ تُرجَى من معرفة طلاب المرحلتين الثانوية والجامعية لـ (الشوذبي والدويخل والمجباب والميقعة والرحَى والمِخراز والمقمَّع والسواني والمثعوبة والقَرو) وغيرها من مُقتنيات منطقتنا وأحيائها العتيقة، في ظلِّ تغييبٍ وتهميشٍ – غير مُتَعمَّد – للدور الريادي والمحوري لإنسان تلك الأزمِنَة البالِغة القسوة والفاقَة والأوضاع الأمنيَّة المُتردية؟؟ إذْ ليس من الصواب إطلاقاً النظر لمعروضاتنا التراثية كأدواتٍ وتُحفٍ نادرةٍ فحسب ، بل ينبغي استيعاب ظروفها البيئية وعناوينها التاريخية وأحداثها السياسية، فتحتَ كلٍ منها قصة كِفاحٍ طويلةٍ ، وصِناعة حياةٍ شاملة ، وإنجازٍ بشَرِيٍّ عظيمٍ لجيلٍ سعوديٍّ فريدٍ قاسَى الأمَرَّيْن عند تأسيس دولته المباركة وتثبيتِ دعائمِ أركانها ، مُتَحلِّياً بسجايا الإسلام الخالدة كالشَّهامةِ والتَّسامُحِ ، والقناعةِ والإيثار، والتَّلاحُمِ والتآزر، ووحدة الصف واجتماع الكلمة، ومحبة الخير للغير، والجمع بين التجارة والعبادة، والتبكير للجمعة والجماعة، وحِفظ الجميلِ وحَق الجارِ، والصداقة الصادقة، والصبر على شَظَفِ العيشِ وقِلَّة ذاتِ اليَد ، فاستطاعوا بتربيتهم الريفيَّة الجادَّة اجتياز هنَّات زمانهم ونوازِله، والتسامي فوق عصبياته القبليَّة وفروقاته الجهويَّة، ولقد اعتنى بهذه اللفتة التربوية البالغة الأهمية الأستاذان الراحلان عبدالعزيز الخويطر وعبد العزيز التويجري عند تأليفهما كتابيهما (أيْ بُنَي) و (لِسُراة الليل هتفَ الصباح) وكذلك الأستاذ عبد الرحمن السويداء في كتابه (مخاض الطفرة ونتاجها) أمَّا على صعيد مدينتنا فقد تضمنتْ ـ ولله الحمد ـ بعض المؤلفات الشقراوية في الخمس السنين الفائتة مقتطفاتٍ لا بأس بها من سير رِجال ونساء إقليم الوشم .. إذن ما أحوَجَنا في عصْرِ التحولات وطُغْيان الماديَّات وسيطرة التقنيات وما أفرَزتْه مِن هَشاشَةٍ تربويَّةٍ ونكسةٍ قِيميَّة، إلى الوقوف بُرهةً لاستخلاصِ ما يحويه تراثنا من مواقف بطوليَّة وما يكتنزه مِن أبعادٍ دينيةٍ ووطنيةٍ واجتماعيةٍ ومعْرفيَّة ، تنبثِقُ منها رؤية تراثية تجديدية مُلائمة للأجيال القادمة، تحْمِل في طيَّاتِها إبداع في الطَّرْحِ والعَرْض، وخارطة طريقٍ جاذبةٍ لربط شبابنا بتراثهم، واندماج بين الأصالة والمُعاصَرة ، وانسجام بين الماضويَّة والتنويرية، وتناغمٌ منشودٌ بين {جيل الألفيَّة وجيل المبهنيَّة} ( وفي كلٍ خير ) .. وأحسَبُ أنَّ أصحاب السعادة أعضاء (لجنة التنمية الاجتماعية الأهليَّة للتراث والحرف بشقراء والبلدان الكريمة المجاورة) قد خطَوا خطواتٍ في الاتجاه الصحيح سيجني إقليمنا الأغر بمشيئة الله ثمارها اليانعة خِلال عَشريَّتيه القادمتين ، شاكرين لهم ومُقدرين .. هذا ما أردتُ طرحه، والرأي الأول والأخير لكم .. وتقبلوا تحياتي ..