بقلم : سعد بن فهد السنيدي .. شقراء ..
نُعطِّرُ أسبوعنا هذا بمدينةٍ عريقةٍ أنيقة، تلُوح في ( الوشم ) كـ ( باقي الوشم ) .. مدينةٌ سارت بها الركبان ، وتغنَّى بها الشعراء، وانتشَى بها الأدباء، وقصَدها الرَّحالون، واحتفَى بها المؤرخون .. ولأهمية احترام التخصص فإنني سأضربُ صفحاً عن ماضيها التليد ، مُركِّزاً اهتمامي على حاضرها السعيد، حيثُ بات مِن شِبه المؤكد أنَّ ثرمداء اليوم ليست ثرمداء الأمس، وذلك واضحٌ كوضوح الشمس .. ولكن رويدَك، فلربَّما تداخلَ بعض المثاليين المُخذِّلين قائلين: (إنَّ ما تُشيرُ إليه من تحسنٍ ملحوظ، لا يزال طفيفاً بطيئاً، لا يستحق كتابةً أو إشادةً أو إشارة) !! فيا تُرى متى يعي أولئك الطوباويون أننا من أمَّةٍ ( يُعجبها الفأل ) وأنَّ (طريق الألف ميل يبدأ بخطوةٍ واحدة) وأنَّ (إبراز الإيجابيات) مِن متطلَّبات الإدارة الحديثة، وأنَّ سفينة ثرمداء التطويرية أبحرتْ إبحاراً لا إياب فيه، تحت إشراف المخلصين من مسؤوليها وشبابها وأعضاء جمعياتها ومؤسساتها الرسمية والأهلية.. ناهيكَ عن عودةٍ (كُليَّةٍ أو جزئيةٍ) لبعض أبنائها، ما أعطَى دفعةً قوية لمسيرة التحديث والتجديد، وتوفير بيئةٍ اجتماعية جاذبة، تكلَّلتْ بإنشاء العمارات الخاصة، والمزارع المختَصَرة، والملتقيات الأسريَّة، والمنتجَعات العائلية المشتملة على وسائل الترفيه المتنوعة من مسابحَ وملاعبَ وحدائق، ما حدا ببعض متقاعديها إلى إمضاء جُلَّ وقته في ثرمدائه ، فيا لها من خطوةٍ سديدةٍ حدَّتْ من الآثار السلبيَّة الناجمة عن تكدس القطاع الأكبر من الأهالي في العاصمة الرياض، فساهَموا ـ بارك الله فيهم ـ في تماسك بُنْيتها السكانية، والدفع بمسيرتها الإنمائية، فليس بالحب وحده تنهض الديار والأوطان ، إنما بتضحيات رجالها، ودعم أثريائها، ومتابعة أعيانها، وحماس شبابها، مصداقاً لقول الرافعي:
ألمْ ترَ أنَّ الطيرَ إنْ جاء عُشَّهُ … فآواهُ في أكنافهِ يترنَّمِ
وما يرفعُ الأوطانَ إلَّا رِجالها … وهل يترقَّى الناس إلَّا بسُلَّمِ
ومن المظاهر والدلائل المُشرقة، تنوّع منتجاتها الزراعية وجودتها وتسويقها، وتكاثر حَمَلَة الشهادات العليا من أبنائها، واهتمام شبابها بالشؤون الإدارية والميدانية، وذلك بتعزيز الجانب الرقابي عبر وسائل التواصل، واشعار الجهات ذات العلاقة بمواطن القصور والخلل، بأسلوبٍ حضاريٍّ لا شخصَنة فيه ولا تجريح، داعين إلى نهضةٍ شاملةٍ وتنميةٍ مُستدامة، بعيدة كل البُعد عن تقزيم حاضرهم الزاهر، واختزاله في أخبارٍ موسميةٍ عابرة كـ (جَرَيان شعيب النخيل) و (اخضرار روضة القاع ) فقط لا غير !! ومن مُتغيراتها السارة ، ما نراه من تناغُمٍ وتمازجٍ بين (الأصالة والمُعاصَرة) وذلك بقيام مُقتدريها بإحياء بلدتهم القديمة، وترميم بيوتهم الطينية، ومعالمها التاريخية، شوقاً للطفولة والصبا، والبساطة والبراءة، ومن ثمَّ اعتمادها مُتحفاً للباحثين والسائحين والهائمين، كهيام هذا الشاعر بجدرانه وأبوابه، وأمجاد آبائه :
أمُرُّ علىٰ الدّيارِ ولستُ أدري … أتذكُرُني أَتعرفُني الدِّيارُ؟
وكَم قبّلتُ جُدراناً وباباً … فلا بابٌ يحِنُّ ولَا جِدارُ
جماداتٌ وأدري، غيرَ أنِّي … أتوقُ لأهلِها والشوقُ نارُ !!
كما أهيبُ بالجهات الثرمداوية النافذة، التوسع في تمكين الطاقات الشابة من ذوي القُدرات التطويريَّة والتشغيليَّة، تفادياً لما يُعرَف في عِلم الإدارة بــ ( الكهولة الإدارية ) وتوطئةً وتهيئةً لحمل الراية ومواصلة المسيرة التي بدأها آباؤهم وأجدادهم، بالتفافهم حول الملك المؤسس ـ يرحمه الله ـ وإسهامهم المشهود في توحيد الوطن، ولملمة أطرافه، وتوطيد استقراره، وبناء مؤسساته، ومن ثمَّ إدارتهم الاستثنائيَّة لكارثة ( الغرقة ) واستيعاب تبِعاتها وتداعياتها المأساوية بحكمةٍ وحِنكة .. ثمَّ ماذا بعد سادتي الكرام؟؟ لقد نظرَ الله إلى قريتهم المنكوبة وقلوبهم المكلومة، فآتاهم خيراً مما أُخِذَ منهم ، فما هي إلا فترةٌ وجيزةٌ، وإذْ بالأتراح تنقلبُ أفراحاً، فها هي طفرة التسعينات الهجرية مُحلِّقة في الأجواء السعودية، فواكَبوا وبكلِّ أريحيَّةٍ ووسطيَّة مرحلتها الانتقالية، وقوَّتها الشرائية، وبيوتها الخرسانية، وتحولاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، بل إنَّ الواقع المُعاش يشهد لرجالات ثرمداء وأبنائهم من بعدهم، أنهم ما سَكنوا مدينة من المُدن إلا اندمجوا في مجتمعها، وانخرطوا في فعالياتها، فأفادوا واستفادوا، فمنذ ما يربو عن نصف قرنٍ قدِمتْ كوكبةٌ من الأسَر الثرمداوية الكريمة إلى شقرائنا الغالية، فأبوا إلا المشارَكة الفاعلة في قطاعاتها ومناشطها المختلفة من ( تعليميةٍ وإداريةٍ وأمنيَّةٍ وقضائية وتجارية ورياضية ) فتركوا فيها بصماتٍ تُذكَر وتُشكَر .. كما أبدي سعادتي بما رأيتُ من تسابق مُغرديها إلى عرض ما لديهم من صورٍ ثرمداوية، قديمة كانت أو متوسطةٍ أو حديثة، مؤكداً لأحبتي أنَّ وسائل التواصل برمتها لا تُعدُّ جهةً توثيقية، لذا فإنَّ المؤمَّل في مثل هذه الحالات، قيام لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية بالإعلان عن استقبالها نُسَخاً واضحةً من هذه الصور ( بدءاً بأقدم صورة متوفرة وانتهاءً بالعام 1440هــ ) شريطة تعاون الجميع، ومن ثمَّ إخراجها في كتاب ( ثرمداء في صور ) مع حفظ حقوق أصحابها، بتدوين أسمائهم أسفل كل صورة ( أرشيف الأستاذ فلان ) وبإمكان اللجنة تكليف أحد الأهالي من خارج أعضائها بتنفيذ ذلك.. مؤكداً في ختام هذه الإطلالة أنَّ طريق التحول المنشود ليس مفروشاً بالورود، ما يستدعي مُضاعفة الجهد، والتآزر والتكاتف، وتقبل النقد، وترتيب الأولويات، والاحتفاء بالمنجَزات، وتجديد الدماء، وتغليب الصالح العام، وعدم الإصغاء نهائياً للمُثبِّطين القائلين: ( إنَّ ما نعانيه من عوائقَ وسلبياتٍ ، سببُهُ الجيل السابق، ولن يتمكن من مُعالجتها إلا الجيل اللاحق ) !!! مع يقيني التام أنَّ ( أهل ثرمداء أدرى بشعابها ) وأنّ ما لديكم من خططٍ وتطلعاتٍ ومُقترحات، يفوق أسطري المُتواضعة بمراحل، إنما أحببتُ الإسهام إعلامياً وتحفيزياً في الارتقاء بمسقط رأسي، ومدينة أخوالي الكرام، امتثالاً لقول القائل: (فليُسعِدِ النُطقُ إِنْ لَمْ تُسعِدِ الحالُ).. سائلًا الله جلَّ في عُلاه أنْ يتغمَّد راحليها الأفذاذ بواسِع رحمته ومغفرته ورضوانه، وأخصُّ منهم رمزها الكبير الشيخ ( عبد العزيز بن عبد الرحمن العنقري ) وخالي العزيز الشيخ ( عبد الله بن سعد الدخيِّل ) وجميع موتى المسلمين .. مع صادق الأمنيات لجميع المدن الوشميَّة، وأرجاء بلادنا السعودية مزيداً من التقدم والازدهار في ظل الدعم اللامحدود من لدن حكومتنا الرشيدة .. وتقبلوا تحياتي .